تناول الأدباء العرب في أعمالهم الأدبية قضايا الصراع الاجتماعي والنضال الوطني والقومي ، فرصدوا تطوّر دور المرأة في نشر الوعي ، والثورة على المفاهيم المتخلّفة في المجتمع ، كما بيّنوا علاقة القيادة بالجماهير لتحقيق نجاح المشروع الوطني ، وأضفوا على نضالهم بعداً قومياً إنسانياً .
ناقش القول السابق مؤيداً فكرك بالشواهد المناسبة منطلقاً من نصَي ( العصاة ، مأساة الفتى مهران ) والممهدات الخارجية لكل منهما .
لعب الأدباء العرب دوراً أساسياً وهاماً في قضايا مجتمعهم الوطنية والقومية فسلّطوا الضوء على كثير من تلك القضايا واعتبروها عاملاً أساسياً في عرقلة تقدّم الأمة ، وعملوا في الوقت نفسه على تجاوزها بالوقوف مع الجماهير ، يشدّون من أزرها ويوصلونها إلى شطّ الأمان .
في العصاة لصدقي إسماعيل يتمثل البعد القومي بموقف سعاد بنت محمد الوحيدة ، ويونس الشاب المغامر في أثناء حوادث الإسكندرون ، ويخرج معه إلى هذه المؤسسة الثورية ابن عمه عمران ممثل العقلية الريفية المحافظة
غير أنّ صدقي إسماعيل صبّ اهتمامه على تطوّر التفكير الاجتماعي أكثر مما اهتم برسم صورة للحياة الاجتماعية ، وقد اختار الشخصيات النسائية عامة لتصوير تطور الأفكار الاجتماعية ، لأن التطورات لاجتماعية الحاسمة في مجتمعنا تحمل المرأة عبأها أكثر من الرجل ، والنساء البارزات في الرواية أعطين صورة عن تطوّر الفكر الاجتماعي مثل ( هدى ، مديحة ، عالية ) ، وكذلك ما قمن به من تصرفات
ولاسيما حالة سعاد التي ألحت على الزواج من يونس الشاب المغامر ، وكذلك حالة مديحة التي تركت زوجها لأن المجتمع البورجوازي في العاصمة لم يرقْ لها ، وكذلك حالة عالية التي تبادلت رسائل الحبّ مع ابن عمها بجرأة واضحة .
كما أصرّ صدقي إسماعيل على أن ترتدي القومية العربية رداء الإنسانية حتى لا تُتهم بالتعصّب متجوّلاً في رحاب الفكر القومي ماضياً وحاضراً ، مصمماً على قوميته الإنسانية ، لعل أمّته تصبح تنظيماً اجتماعياً يمكّن العربي فرداً وجماعة من الانفتاح على كل ما هو إنساني في العالم .
وعلى هذا فالتحرر هو مطلبه الأساسي ، والحرية مرماه الأبعد ، وكلاهما الدليل على إنسانيته أو فكره الإنساني ، وهذا ما جسّده في روايته ( العصاة ) .
وقد وجدت الجماهير الكادحة بعد الاستقلال نفسها تناضل من أجل تغيير واقعها والخلاص من البؤس والاستغلال .
فمسرحية الفتى مهران للأديب عبد الرحمن الشرقاوي عمل أدبي في دراما شعرية تعالج فكرة دور الطليعة الواعية في سعيها لبناء الغد المشرق ، وضرورة التحام القائد بالجماهير لنجاح مشروعها الوطني فإذا بالأدباء يجدون أنفسهم بين الجماهير ، يصوّرون وعيها واندفاعها في بناء مجتمع جديد يحقق لها الحياة الحرة انطلاقاً من واقع مرّ مُعاش ، إلى استشراف واقع منشود تسوده العدالة الاجتماعية .
فالفتى مهران تنتهي حياته بطعنة تصيبه في الظهر ، ويموت مهران لكن الصراع يظل محتدماً تُواصله سلمى بأغنياتها للنخيل والأعياد والحصاد للمساكين الحالمين بغد حرّ جميل ، على أنّ الاتصال الحقيقي لبطولة مهران إنما يتمثل في شخصية صابر الفلاح الكادح ، إنه لا يحمل السيف مثل مهران وإنما يحمل الفأس ، وهو لا يقيم في قمم الجبال وإنما يعمل في قريته مع الفلاحين ، وهو الذي يواصل الرسالة المتمثلة في العمل والبناء لمستقبل مشرق معبراً عن الأمل والانتصار على الرغم من مصرع مهران .
كما كان لابدّ من يقظة يرفع لواءها الأدباء والشعراء لتردّ إلى هذا الواقع كرامته وإنسانيته فعرضوا مشكلات الشعب ، وأبرزوا آثارها السلبية في الفرد والوطن ، وألهبوا النفوس النائمة بنار الوعي بحثاً عن الخلاص . فقد عششت في المجتمع العربي في بداية هذا العصر الوساوس والخرافات وران على العقول الجهل والتخلّف وغيبت عنها الحقائق فيما كان المجتمع في الغرب يهنأ بالاً بالتقدم الصناعي ، وينعم بثمار الحضارة والعلم ، وقد اتخذ الجواهري من لحاق أمته بركب الحضارة والتحرر من الجهل والتخلف قضية جعلها منطلقاً لبلورة مشروعه النهضوي يقول :
وساوس لو حققتها لوجدها من المهد كانت أذؤباً وضباعاً
غزت أمم الغرب الحياة تريدها وما زوّدت غير الشباب متاعا
ومما سبق نجد أنّ أدباءنا استطاعوا في نتاجاتهم الأدبية أن يلقوا الضوء على الصراع الاجتماعي والنضال الوطني والقومي وألبسوه ثوباً إنسانياً ، كما استطاعوا أن يرصدوا تطوّر دور المرأة في نشر الوعي ، والثورة على المفاهيم المتخلفة للعمل على تغييرها بكل الوسائل ، وأشاروا إلى علاقة القيادة بالجماهير على اعتبار أن نجاح المشروع الوطني يعتمد على توثيق وتقوية تلك العلاقة .
- لا يمكن اعتبار ما تقدّم موضوعاً متكاملاً ، وإنما هو نموذج يحتاج إلى بعض الجهود من الطالب ليكمله بأسلوبه ...
إعداد المدرّس علي سلطان
